سورة ق - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}
قرئ: {نقول} بالنون والياء.
وعن سعيد بن جبير: يوم يقول الله لجهنم.
وعن ابن مسعود والحسن: يقال. وانتصاب اليوم بظلام أو بمضمر. نحو: أذكر وأنذر. ويجوز أن ينتصب بنفخ، كأنه قيل: ونفخ في الصور يوم نقول لجهنم. وعلى هذا يشار بذلك إلى يوم نقول، ولا يقدّر حذف المضاف. وسؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي يقصد به تصوير المعنى في القلب وتثبيته، وفيه معنيان، أحدهما: أنها تمتلئ مع اتساعها وتباعد أطرافها حتى لا يسعها شيء ولا يزاد على امتلائها، لقوله تعالى: {لأَ مْلاَنَّ جَهَنَّمَ} [السجدة: 13] والثاني: أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد. ويجوز أن يكون {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} استكثاراً للداخلين فيها واستبداعاً للزيادة عليهم لفرط كثرتهم. أو طلباً للزيادة غيظاً على العصاة. والمزيد: إما مصدر كالمحيد والمميد، وإما اسم مفعول كالمبيع.


{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)}
{غَيْرَ بَعِيدٍ} نصب على الظرف، أي: مكاناً غير بعيد. أو على الحال، وتذكيره لأنه على زنة المصدر، كالزئير والصليل؛ والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث. أو على حذف الموصوف، أي: شيئاً غير بعيد، ومعناه التوكيد، كما تقول: هو قريب غير بعيد، وعزيز غير ذليل. وقرئ: {تُوعَدُونَ} بالتاء والياء، وهي جملة اعتراضية. و{لِكُلّ أَوَّابٍ} بدل من قوله للمتقين، بتكرير الجارّ كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75]، وهذا إشارة إلى الثواب. أو إلى مصدر أزلفت. والأوّاب: الرجاع إلى ذكر الله تعالى، والحفيظ: الحافظ لحدوده تعالى. و{مَّنْ خَشِىَ} بدل بعد بدل تابع لكل. ويجوز أن يكون بدلاً عن موصوف أوّاب وحفيظ، ولا يجوز أن يكون في حكم أوّاب وحفيظ؛ لأنّ من لا يوصف به ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي وحده. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره: يقال لهم ادخلوها بسلام، لأنّ {مَّنْ} في معنى الجمع. ويجوز أن يكون منادى كقولهم: من لا يزال محسناً أحسن إليّ، وحذف حرف النداء للتقريب {بالغيب} حال من المفعول، أي: خشيه وهو غائب لم يعرفه، وكونه معاقباً إلا بطريق الاستدلال. أو صفة لمصدر خشى، أي خشية خشية ملتبسة بالغيب، حيث خشي عقابه وهو غائب، أو خشية بسبب الغيب الذي أوعده به من عذابه، وقيل: في الخلوة حيث لا يراه أحد.
فإن قلت: كيف قرن بالخشية اسمه الدال على سعة الرحمة؟ قلت: للثناء البليغ على الخاشي وهو خشيته، مع علمه أنه الواسع الرحمة. كما أثنى عليه بأنه خاش، مع أنّ المخشى منه غائب، ونحوه: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] فوصفهم بالوجل مع كثرة الطاعات. وصف القلب بالإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى؛ لأنّ الاعتبار بما ثبت منها في القلب. يقال لهم: {ادخلوها بِسَلامٍ} أي سالمين من العذاب وزوال النعم. أو مسلماً عليكم يسلم عليكم الله وملائكته {ذَلِكَ يَوْمُ الخلود} أي يوم تقدير الخلود، كقوله تعالى: {فادخلوها خالدين} [الزمر: 73] أي مقدرين الخلود {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} هو ما لم يخطر ببالهم ولم تبلغه أمانيهم، حتى يشاؤه. وقيل: إن السحاب تمرّ بأهل الجنة فتمطرهم الحور، فتقول: نحن المزيد الذي قال الله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.


{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)}
{فنقبوا} وقرئ بالتخفيف: فخرقوا في البلاد ودوّخوا. والتنقيب: التنقير عن الأمر والبحث والطلب. قال الحارث بن حلزة:
نَقَّبُوا فِي الْبِلاَد مِنْ حَذَرِ الْمَو *** تِ وَجَالُوا فِي الأَرْضِ كُلَّ مَجَالِ
ودخلت الفاء للتسبيب عن قوله: {هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً} أي: شدّة بطشهم أبطرتهم وأقدرتهم على التنقيب وقوّتهم عليه. ويجوز أن يراد: فنقب أهل مكة في أسفارهم ومسايرهم في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصاً حتى يؤملوا مثله لأنفسهم، والدليل على صحته قراءة من قرأ: {فنقبوا} على الأمر، كقوله: {فَسِيحُواْ فِي الأرض} [التوبة: 2] وقرئ بكسر القاف مخففة من النقب وهو أن يتنقب خف البعير. قال:
مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلاَ دَبَرْ ***
والمعنى: فنقبت أخفاف إبلهم. أو: حفيت أقدامهم ونقبت، كما تنقب أخفاف الإبل لكثرة طوفهم في البلاد {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} من الله، أو من الموت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8